أبل على خُطى نوكيا

أبل على خُطى نوكيا

لا شك أن اسم أبل (Apple) يقترن منذ عقد من الزمن بالريادة والابتكار في عالم التقنية. اعتدنا أن نرى منتجات أبل تُحدث نقلات نوعية – أو هكذا كان الحال على الأقل في حقبة ستيف جوبز. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت أبل تلعب لعبة مختلفة: "متأخر ولكن أفضل" – أي تنتظر الآخرين ليكشفوا تقنيات جديدة ثم تتبناها هي متأخرة، ولكن بصورة أكثر سلاسة وإتقان. قد ينجح هذا النهج لفترة، لأن أبل تهتم بأن "تجعل التقنية تعمل فعليًا" بدون تعقيدات. ولكن إلى متى سيبقى هذا النهج فعالًا؟ هل بدأت أبل تفقد قدرتها على السبق والابتكار، تمامًا كما حصل مع نوكيا في زمانها؟

متأخرة عن الركب ولكنها تعمل – إلى حين...

لطالما كانت استراتيجية أبل أن تدخل سوق التقنيات الجديدة متأخرة نسبيًا بعد أن تتأكد من نضجها، ثم تقدم نسختها الخاصة التي "تعمل كما ينبغي". على سبيل المثال، لم تكن أبل أول من قدم هاتفًا ذكيًا أو شاشة كبيرة أو ميزات مثل الدفع عبر الهاتف، لكنها عندما قدمتها جاءت بشكل متقن ومتكامل. مستخدمو أبل قد يدافعون عن هذه السياسة بحجة أن الجودة أهم من الأسبقية. في الماضي، كان فارق الجودة واضحًا لصالح أبل: ما إن تدخل مجالًا جديدًا حتى تتفوق فيه بسهولة. لكن هذا الفارق بدأ يضيق بشكل ملحوظ مؤخراً. فهاتف آيفون 6S في 2015 لم يحمل قفزة كبيرة عن سلفه، حتى أن تقارير المحللين سخرت بأن حرف "S" يرمز إلى "Same" – أي لا جديد يُذكر – مما انعكس بانخفاض مبيعات الآيفون بنسبة 16.3% في الربع الأول من عام 2016 مقارنة بالعام السابق

. هذا أول انخفاض من نوعه لوتيرة مبيعات أبل، مما يشير إلى أن جمهورها لم يعد يتحمّس للتحديثات الطفيفة كما كان سابقًا.

في الوقت نفسه، لم يعد الآخرون ينتظرون أبل؛ بل أخذوا زمام المبادرة في الابتكار. شركات الهواتف المنافسة – خصوصًا الشركات الصينية الصاعدة – باتت تطلق تقنيات وتصاميم جديدة جريئة كل عام. بعضها قد يسبق أبل في ميزات معينة لسنوات. نعم، ربما تكون أبل "متأخرة ولكن أفضل" حاليًا، إلا أن سرعة التطور التقني قد تجعل ميزة “أفضل” هذه صغيرة جدًا بحيث لا تُذكر خلال بضع سنوات. عندما يقدم المنافسون ابتكارات تعمل بشكل مقبول من المحاولة الأولى، لن ينتظر السوق أبل حتى تصقل نفس الابتكار وتقدمه بعد سنتين أو ثلاث.

الفجوة تضيق والمنافسة تشتعل

الفارق التاريخي الذي ميّز منتجات أبل – أنها “تعمل ببساطة” دون متاعب – بدأت تقلّصه بقية الشركات. الفجوة التقنية تتضاءل باستمرار. الشركات المنافسة باتت تهتم أكثر بالسوفتوير والتكامل بين العتاد والبرمجيات، مقتربة من تجربة أبل المميزة. والأهم من ذلك، هذه الشركات تتحرك بسرعة: تجرب تقنيات جديدة وتطرحها في الأسواق قبل أبل. على سبيل المثال، شهدنا في 2016 هواتف صينية بشاشات OLED وكاميرات مزدوجة ومستشعرات بصمة مدمجة وشحن سريع... كلها ميزات إما سبقت بها أبل أو قدمتها بسعر أقل بكثير من سعر الآيفون. لم يعد الإتقان حكرًا على أبل وحدها؛ فالمستخدم العادي اليوم يمكنه الحصول على هاتف بمواصفات عالية وميزات حديثة من شركات مثل هواوي أو شاومي أو أوبو بنصف ثمن الآيفون. وكما قالت وكالة رويترز هذا العام، المستهلك الحريص على التكلفة بات يبحث عن بدائل أرخص بميزات مشابهة

. أي أن كثيرًا من الهواتف المنافسة أصبحت تقدم ما يقدمه الآيفون من مزايا أساسية وتجربة استخدام سلسة، فلماذا يدفع المستخدم ضعفي الثمن؟

أضف إلى ذلك أن أبل نفسها بدأت تعاني بعض التراجع في مؤشرات الأداء. مبيعات الآيفون تتباطأ لأول مرة، حتى اضطرت أبل إلى خفض إنتاج آيفون في أوائل 2016 بنحو 30% لتصريف المخزون المتراكم

. وفي الصين – أكبر سوق للهواتف – تراجعت حصة أبل السوقية مع صعود نجم المنافسين المحليين. شركة هواوي مثلًا حققت نموًا مذهلًا بحوالي 58% في مبيعات الهواتف خلال سنة واحدة فقط وقفزت حصتها إلى 8.2% من السوق العالمية في أوائل 2016

. بل إن شركات صينية أخرى كسرت أرقامًا قياسية في النمو؛ أوبو وفيفو حققتا نموًا سنويًا بثلاثة أرقام (%153 و%124 على التوالي) في مبيعات الربع الأول 2016

، ما أدخلهما قائمة الخمسة الكبار عالميًا. هذه الأرقام تعني أن المنافسة لم تعد مقتصرة على سامسونج أو شركات تقليدية، بل هناك جيل جديد من المنافسين ينمو بسرعة صاروخية. وكل هذا يحدث بينما تكتفي أبل بإصدار تحسينات تدريجية على منتج وحيد رئيسي (الآيفون) دون قفزات نوعية منذ سنوات.

هل يفاجَأ مستخدمو أبل بأنهم تأخروا؟

إذا استمرت أبل على نمط "التأخر المدروس" هذا دون ابتكار جوهري جديد، فقد نستيقظ يومًا ونجد أن مستخدمي أبل أنفسهم أصبحوا متأخرين تقنيًا دون أن يشعروا. كثير من عشاق أبل اليوم لا يطّلعون على ما يقدمه الآخرون؛ فقد اعتادوا أن أبل هي التي تقود والجميع يتبع. لكن ماذا لو انقلبت الآية وأصبح مستخدم أندرويد – مثلًا – ينظر إلى مستخدم آيفون كما كان مستخدم الآيفون ينظر سابقًا إلى مستخدم نوكيا القديم؟ الحقيقة أن بعض علامات هذا السيناريو بدأت بالظهور: نجد اليوم من يحمل آيفونًا بإصرار على أنه الأفضل، فيُفاجأ أن هاتفًا آخر أقل شهرة يملك ميزات لا يجدها في جهازه، أو يقدم نفس التجربة بسعر أدنى بكثير. قد تأتي اللحظة التي يصحو فيها جمهور أبل على صدمة أن انتظارهم الطويل لميزات معينة حرمهم من تجريب تقنيات توفرت منذ سنوات لدى المنافسين.

لنتذكر معًا ما حصل قبل عقد من الآن: نوكيا كانت تسيطر على سوق الهواتف بشكل شبه مطلق. كثير منا اقتنى هاتف نوكيا ولم يتخيل يومًا أنه سيحتاج إلى غيره؛ ثقة عمياء بالعلامة التي تربعت على القمة. لكن مع ظهور الآيفون ثم أندرويد، بدأت فجوة تتسع بين عالم نوكيا وعالم الهواتف الذكية الحديثة. مستخدم نوكيا آنذاك أصبح يبدو وكأنه يعيش في الماضي؛ تطبيقات أقل، إنترنت أبطأ، شاشة ومستشعرات أقل جودة… بينما من انتقل إلى الآيفون أو أجهزة أندرويد حصل على تجربة ثورية. خلال فترة قصيرة جدًا انهارت هيمنة نوكيا؛ فقد هوت حصتها في سوق الهواتف الذكية من 33% عام 2010 إلى 14% فقط عام 2011

– أي خلال عام واحد! بل وانتهى الأمر ببيع نوكيا بالكامل والخروج من السوق الذي كانت رائدته. وقال ستيفن إلوب (الرئيس التنفيذي لنوكيا حينها) جملة شهيرة بمرارة في مؤتمر إعلان بيع الشركة: “لم نفعل شيئًا خاطئًا، لكننا خسرنا على أي حال”

. هذه العبارة المؤلمة تلخّص حال نوكيا؛ لم ترتكب أخطاء كارثية ظاهرة، ولكن خطأها القاتل كان الركون إلى نجاحها السابق وعدم إدراك سرعة التغيير من حولها.

اليوم، أبل مهددة بالسير على خطى نوكيا إن لم تتعظ. صحيح أن أبل لم تصل بعد إلى مرحلة التخبط التي عاشتها نوكيا في آخر أيامها؛ فلا يزال لدى أبل موارد ضخمة وقاعدة جمهور وفي. لكن التشابه واضح: شركة ناجحة جدًا ومهيمنة في سوقها، تثق بأن منتجاتها هي الأفضل بلا منازع، وبدل أن تغيّر قواعد اللعبة من جديد، تستمر باللعب بنفس الأوراق الرابحة القديمة حتى تبتذل. استمرار أبل لسنوات تعتمد أساسًا على نجاح الآيفون وحده – الذي مضى عليه قرابة عقد دون تغيير جوهري – يشبه رهان نوكيا الطويل على نظام Symbian القديم ثم على شراكتها مع مايكروسوفت؛ رهانٌ على الماضي بدل المستقبل.

الخطر القادم... من الصين هذه المرة!

قد يقول قائل: "أبل لن تفقد بريقها، لها نظامها الإيكولوجي الخاص وزبائنها المخلصون." ربما يبدو هذا صحيحًا الآن، لكن ألم نسمع كلامًا شبيهًا أيام نوكيا؟ ألم يكن جمهور نوكيا يقولون "لدينا أفضل جودة تصنيع وأقوى بطارية، لماذا نحتاج شاشة لمس أو متجر تطبيقات؟"… ثم استيقظوا متأخرين . الحقيقة أن الخطر على أبل قد لا يأتي من منافس تقليدي معروف مثل سامسونج – فالتنافس بينهما قديم ومتوازن – بل الخطر الأكبر قد يأتي من لاعبين جدد لم يكن أحد يوليهم الكثير من الاهتمام في البداية. تمامًا كما برزت أبل نفسها من خارج عالم الهواتف فجأة لتقلب الطاولة على نوكيا وبلاكبيري، هناك شركات صينية ناشئة نسبيًا قد تقفز لتحتل موقع الريادة في الابتكار خلال السنوات القادمة. في غضون 10 سنوات من الآن، قد نجد أسماء مثل هواوي وشاومي وأوبو هي "أبل الجديدة" من حيث التأثير والإبداع، بينما تتحول أبل إلى "نوكيا الجديدة" التي تبدو متأخرة وعاجزة عن اللحاق بالركب. هذا ليس ضربًا من الخيال؛ فكما رأينا، هذه الشركات تنمو بسرعة رهيبة وتأكل من حصة الكبار تدريجيًا

. البعض قد يستهين بها اليوم، لكن تذكروا أن نوكيا أيضًا استهانت بأبل عام 2007 واعتبرتها مجرد طارئ مؤقت… والعاقبة معروفة للجميع.

أعلم أن الكلام قد يبدو غريبًا لمحبّي أبل المتعصبين. قد يغضب البعض من مجرد التشبيه بين أبل ونوكيا نظرًا للفروق الواضحة بين الشركتين. لكن العِبرة هنا في الدورة التقنية المتكررة: شركة في القمة تنام على أمجادها معتقدة أنها منيعة، ثم تنهض منافسة صغيرة برؤية جديدة تغيّر المعادلة. هل أبل محصّنة ضد هذا المصير لمجرد حجمها وأرصدة بنوكها؟ التاريخ يخبرنا أن حجم الشركة وثروتها لم تحمِ نوكيا من السقوط السريع. الابتكار هو طوق النجاة الوحيد في عالم التقنية سريع الخطى، وليس السمعة الماضية أو الولاء السابق للعلامة.

نصيحتي إلى أبل: قبل فوات الأوان

على أبل أن تتخذ خطوات جريئة الآن إذا أرادت تجنّب سيناريو نوكيا خلال العقد القادم. أهم نصيحتيْن هما:

لا تفقدوا أهم مواردكم: العقول المبدعة. إن قوة أبل الحقيقية لم تكن يومًا في علامتها التجارية فقط، بل في فرق الهندسة والتصميم التي ابتكرت منتجات غيرت العالم. حافظوا على أفضل المواهب لديكم في قسم البحث والتطوير (R&D)، بل واستقطبوا المزيد. رحيل العقول هو ناقوس خطر لأي شركة تقنية. فلا تغتروا بأن "الاسم يكفي" – الاسم سيتلاشى إن لم يقترن بابتكار متجدد. شبكة ستيف جوبز الاجتماعية والفكرية لن تستمر إلى الأبد؛ الكثير ممن تأثروا برؤيته وواصلوا المسيرة قد يغادرون إن شعروا أن الشركة لم تعد تُقدّر الإبداع الجريء.

تجنبوا الاستنساخ المفرط للنجاحات السابقة. صحيح أن الآيفون والبقية يجلبون المال الوفير الآن، لكن لا تجعلوا الآيفون بقرتكم المقدسة للأبد. نوكيا وقعت في فخ استنزاف نموذجها الناجح (هواتف سيمبيان التقليدية) إلى آخر قطرة دون ابتكار حقيقي، فانهار النمو فجأة. أبل اليوم تقع في خطر مشابه إن استمرت بإعادة تدوير نفس الأفكار: تحسينات سنوية طفيفة على الآيفون، على الآيباد، على ماك… هذا جيد على المدى القصير ولكنه غير مستدام. نحن بحاجة أن نرى من أبل وميض مشروع جديد ثوري في نظامها الإيكوسيستمي قبل أن يأتينا ذلك من غيرها. ربما منتج أو خدمة لم تخطر ببال المنافسين بعد، أو قفزة نوعية في ذكاء Siri أو في تقنيات الواقع المعزز AR/VR قبل أن يسبقكم الآخرون إليها. المهم أن تبادروا أنتم بالخطوة الكبيرة التالية بدلاً من انتظار الآخرين ثم اللحاق بهم.

لو كنت مسئولاً عن أبل لتوجهت بكل قوة في إتجاه ال
One Device Experience

أبل هي الأقرب بين دمج احتياجات الحاسب الشخصي مع فكرة iPAD في جهاز واحد... حيث أن من يشتريه لا يحتاج إلى تابلت و لابتوب. لا أعلم كيف يكون ذلك. ولكن في السنوات القادمة سيعزف الناس عن استخدام الحاسب الشخصي و يتحول إلى أداة هندسية أكثر منها جهاز شخصي. و هنا تظهر فكرة الجهاز اللوحي (تابلت) القادر على القيام بوظائف اللابتوب سيكون الحصان الفائز. والله أعلم

ختامًا، على أبل أن تختار بين أمرين: إما أن تبدع وتغيّر قواعد اللعبة من جديد كما فعلت في عصر آيفون الأول، فتقود هي الموجة القادمة وتبقى في القمة... وإما أن تستمر في الاجترار الآمن لما حققته حتى اليوم، وحينها لا يفاجئنّ أحدًا إذا رأينا تفاحة مقضومة أخرى تسقط من أعلى الشجرة مثلما سقطت نوكيا من قبل.

بالابتكار تُحمى الصدارة، وإلا فالزمن دوّار والتاريخ يُعيد نفسه… والطريق من القمة إلى القاع قد يكون أقصر مما نتخيل

مصادر

IDC Smartphone Sales Data For Q1, 2016 & Chinese Brand Growth
The International Data Corporation, IDC, have today released preliminary sales information detailing the quarterly sales figure for global smartphones.
Analysis of Nokia’s Decline from Marketing Perspective
Analyzing Nokia’s decline in the mobile phone industry: stages of development, reasons for decline, and inspiration for modern enterprises. A comprehensive study on market grasp, business strategy, and marketing perspective.
We didn’t do anything wrong, but somehow, we lost
In a fast-changing world, leaders need to realize that learning agility isn’t an option anymore. Click the link to learn more!

https://www.reuters.com/article/markets/china-huaweis-2015-smartphone-shipments-jump-44-pct-cross-100-mln-idUSKBN0UK0HO/